إن إنشاء السيادة الإقليمية لكل دولة في العالم أمر ضروري، وفي هذا الصدد، يمكن لأذربيجان، من خلال استعادة السيطرة على ناغورنو كاراباخ في سبتمبر بعد هجوم خاطف، أن تقول إنها كانت تسعى إلى استعادة سيادتها الإقليمية المفقودة خلال الصراع السابق. ويمكن النظر إلى عملية إعادة الغزو باعتبارها رداً مشروعاً على الوضع الراهن غير المقبول الذي ساد في المنطقة لسنوات عديدة، وباعتبارها مظهراً للحق الدولي لكل دولة في ضمان سلامة أراضيها. إن الاستقرار الإقليمي عنصر أساسي بالنسبة لأذربيجان. ومن الممكن تفسير استعادة ناجورنو كاراباخ باعتبارها محاولة لاستعادة التوازن الإقليمي ووضع حد لمصدر التوتر المستمر. وفي ضوء ذلك، يمكن لأذربيجان أن تقول إن اتخاذ موقف صارم ضروري لضمان الاستقرار والأمن في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، أدى قرار أذربيجان الأخير برفض المشاركة في محادثات التطبيع مع أرمينيا، المقرر إجراؤها في الولايات المتحدة في نوفمبر، إلى زيادة التوترات. وتتذرع أذربيجان بموقف "تحيز" من واشنطن، مما يسلط الضوء على مدى تعقيد التحالفات في المنطقة. ويشكل رفض باكو الدخول في المفاوضات ردا مباشرا على أحداث 19 سبتمبر/أيلول، مما يوحي بأن الوضع الحالي يتطلب تقدما ملموسا على طريق السلام لاستعادة تطبيع العلاقات.
الرد الأمريكي ومخاطر فقدان الوساطة
ويؤكد رد فعل مستشار الأمن القومي الأمريكي السيد أوبراين الموقف الثابت للولايات المتحدة تجاه أذربيجان بعد أحداث سبتمبر. إن إلغاء الزيارات رفيعة المستوى وإدانة تصرفات باكو يسلطان الضوء على تصميم الولايات المتحدة على الدفع نحو تحقيق تقدم ملموس نحو السلام. ومع ذلك، فإن رد وزارة الخارجية الأذربيجانية، الذي يشير إلى أن هذا النهج الأحادي يمكن أن يتسبب في خسارة الولايات المتحدة لدورها كوسيط، يسلط الضوء على المخاطر الجيوسياسية الكامنة في هذا الوضع.
انخراط الاتحاد الأوروبي وعقبات متعددة
وتعكس جولات المفاوضات بين رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، بوساطة الاتحاد الأوروبي، مدى تعقيد الوضع. ومع ذلك، فإن رفض إلهام علييف المشاركة في المفاوضات في إسبانيا بحجة موقف فرنسا المتحيز يثير تساؤلات حول قدرة الاتحاد الأوروبي على لعب دور وساطة محايد. ويؤكد الحضور المقرر في البداية لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، برفقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، على أهمية الوساطة الأوروبية.
التحديات الإنسانية وآفاق اتفاق السلام
إن الصراع الإقليمي حول ناجورنو كاراباخ، والنزوح الجماعي للسكان، وهروب أكثر من 100,000 ألف أرمني إلى أرمينيا، يسلط الضوء على التحديات الإنسانية الكبرى المرتبطة بالصراع. جدد نيكول باشينيان، رئيس الوزراء الأرميني، تأكيد رغبة يريفان في التوقيع على اتفاق سلام خلال الأشهر المقبلة، رغم الصعوبات الحالية. أثار زعماء الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام شامل بحلول نهاية العام، لكن هذا سيعتمد إلى حد كبير على حل العقبات الجيوسياسية واستعداد جميع الأطراف للاتفاق. المشاركة بشكل بناء في عملية التفاوض.
الأولوية للسيادة الوطنية
يمكن تفسير موقف أذربيجان تجاه الوساطات الدولية، بما في ذلك عدم الثقة في الوساطة التي تعتبرها فرنسا "منحازة"، على أنه حماية للسيادة الوطنية. وربما يعكس هذا الموقف الاعتقاد بأن القرارات الحاسمة المتعلقة بحل الصراعات لابد أن يتم اتخاذها بشكل مستقل، وبالتالي الحفاظ على الاستقلال الوطني وتجنب التدخل الخارجي الضار.
التعقيد العميق للصراع بين أذربيجان وأرمينيا. إن الديناميكيات المؤثرة، والتي تشكلها ردود الفعل المحلية العاطفية، والتدخلات الدولية المتنوعة، والآثار الإقليمية المعقدة، تعمل على خلق مشهد جيوسياسي دائم التغير. وتسلط التحديات الإنسانية الناجمة عن الصراع، مثل النزوح الجماعي للسكان، الضوء على الحاجة الملحة إلى العمل المتضافر.
ومن الواضح أن الوساطة في هذه المنطقة الحساسة يجب أن تتكيف مع الواقع الدقيق، مع الأخذ في الاعتبار الحساسيات الوطنية العميقة، ومتطلبات الدبلوماسية الدولية والضرورات الإنسانية الصارخة. ويتطلب البحث عن حل دائم توازنا دقيقا بين هذه العوامل المختلفة، وتسلط العقبات التي تعترض الوساطة الضوء على الحاجة إلى نهج استراتيجي وشامل.
وفي نهاية المطاف، فإن السعي إلى تحقيق السلام في ناجورنو كاراباخ يتطلب رؤية شاملة واستعداد كافة الأطراف المعنية لتجاوز الخلافات وإظهار المرونة والانخراط بكل حزم في مفاوضات بناءة. وسيعتمد مستقبل المنطقة على قدرة الجهات الفاعلة المحلية والدولية على التعامل بمهارة مع هذه التعقيدات لصياغة طريق نحو حل دائم وسلمي.