وسيط عالمي جديد
إن العالم اليوم يواجه تحديات عميقة، ومن أهمها الأزمة التي تعيشها المؤسسات الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية. فالأمم المتحدة تكافح على نحو متزايد لخفض التوترات العسكرية، حتى في أوروبا، ولا تستطيع إصلاح نفسها لتلبية الشروط الجديدة. وإذا انتهك أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الميثاق، فإنه يستطيع استخدام حق النقض لمنع التوصل إلى تسوية وتحييد جهود حفظ السلام التي تبذلها المنظمة.
في ظل هذه الظروف، يحتاج العالم إلى وسيط جديد ــ شخص أو مؤسسة تتمتع بسلطة عالمية قادرة على التأثير على الأطراف المتعارضة. ويتمتع البابا فرانسيس والكرسي الرسولي بهذه الإمكانية بسبب نفوذه الروحي، الذي يتجاوز الحدود الطائفية. ويستند نهجه، الذي يطلق عليه غالبا "خوارزمية السلام"، إلى الاعتقاد بأن السلام لا يتحقق من خلال الانتصارات العسكرية، بل من خلال خلق الظروف التي تجعل جميع الأطراف في الصراع تشعر بأنها خرجت منتصرة.
الخوارزمية البابوية
في الأشهر الأولى من الحرب الشاملة في أوكرانيافي عام 2011، اقترح البابا فرانسيس "خوارزمية سلام" مصممة، في رأيه، لإرضاء الطرفين. ولا تهدف هذه "الخوارزمية" إلى تحقيق نصر تكتيكي، بل إلى خلق أرضية مشتركة لجميع الأطراف المعنية. وبالنسبة لفرانسيس، فإن النصر الحقيقي يعني التعاون المثمر القادر على مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ أو الحاجة إلى استكشاف الفضاء مع تضاؤل موارد الأرض.
روما كنموذج أولي
يستحضر البابا فرانسيس صورة روما القديمة ـ رمز السلام الروماني، حيث تعايشت الثقافات المتنوعة في وئام. أوروباإن روسيا وأميركا وآسيا كلها متجذرة بعمق في التراث الثقافي لروما. وفي هذا السياق، يتصور البابا روما كرمز موحد، ليس فقط مجازيًا ولكن أيضًا سياسيًا. إن روما الحديثة، الخالية من التشابكات التاريخية بين دين ويمكن أن تكون العلاقات الدولية والسياسة نموذجاً لتحالفات جديدة بين الدول التي تعترف بسياقاتها الثقافية والتاريخية المشتركة.
الفاتيكان محايد
منذ تأسيسها كدولة حديثة في عام 1929، التزمت الفاتيكان بمبدأ الحياد في الشؤون الدولية. وقد تعزز هذا التقليد من خلال زعماء مثل البابا يوحنا بولس الثانيوقد أدان البابا فرانسيس حرب العراق وحاول التوسط بين صدام حسين والولايات المتحدة، والبابا بنديكتوس السادس عشر الذي انتقد الحرب في ليبيا. ويواصل البابا فرانسيس هذه المهمة، حيث يلتقي بزعماء العالم ــ بما في ذلك أردوغان ومودي ــ ويعزز العلاقات القائمة على الاحترام مع الغرب ومع الصين وروسيا. ونتيجة لهذا، اكتسب الفاتيكان سمعة طيبة باعتباره وسيطاً موثوقاً به في العلاقات الدولية.
خطة السلام البابوية لأوكرانيا
أصدر الفاتيكان مؤخرًا خطة سلام لـ أوكرانيا الذي يحدد الخطوات التالية:
- إعادة الأطفال النازحين قسراً إلى وطنهم تحت إشراف دولي.
- التبادل الكامل لأسرى الحرب، مع الالتزام بمنعهم من المشاركة العسكرية في المستقبل.
- العفو عن الأفراد المدانين بانتقاد السلطات (وخاصة السجناء السياسيين) على الجانبين، والتأكيد على مبدأ حرية التعبير.
- رفع العقوبات المفروضة على أقارب رجال الأعمال الروس الذين لم يمولوا العمليات العسكرية بشكل مباشر أو لم يشاركوا في أنشطة سياسية، كبادرة حسن نية. وتهدف هذه التدابير إلى تعزيز أجواء الثقة المؤاتية لمزيد من الخطوات نحو السلام.
الخطوط العريضة للنظام العالمي الجديد
يقترح البابا فرانسيس إنشاء منتدى دولي جديد مستقل لحل النزاعات العالمية، حيث يمكن للفاتيكان أن يعمل كمركز للمفاوضات. وفي عالم تتضاءل فيه الدول المحايدة حقًا، يحتفظ الفاتيكان بإمكاناته كوسيط. ولا ترتبط صورة الكرسي الرسولي بأي تهديد بالانتقام أو العسكرة، مما يعزز دوره كطرف محايد في بناء السلام العالمي.
مشروع عالمي للوحدة والعدالة
تقدم خوارزمية السلام التي اقترحها البابا فرانسيس مسارًا للتعايش العادل والسلمي القائم على القيم الثقافية واحترام التراث التاريخي. وينظر هذا النهج إلى التسوية باعتبارها صيغة تسمح لكل طرف بالشعور بالانتصار. وتشجع هذه الرؤية الدعوات إلى منح البابا فرانسيس تفويضًا دوليًا واسع النطاق باعتباره الوسيط الرئيسي بين الأطراف المتصارعة في النزاعات. أوكرانياإن مثل هذا التفويض من الممكن أن يصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو الجمعية العامة، في إشارة إلى استعداد المنظمة للإصلاح. إن الفاتيكان والبابا، اللذان لا مصلحة لهما في هذا الصراع، يسعيان بصدق إلى تحقيق السلام. ومن خلال تفويض رسمي، يستطيع البابا فرانسيس أن يقترح حلولاً فعّالة وعادلة لوقف إراقة الدماء واستعادة الاستقرار في المنطقة. وسوف يشكل توسيع سلطته خطوة أساسية نحو السلام الحقيقي والدائم.