في خطاب شامل ألقاه في الحدث رفيع المستوى "أوروبا عند مفترق الطرق" في يوم الثلاثاء، طرحت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا رؤية طموحة لمستقبل أوروبا - رؤية تتسم بمزيد من الواقعية والابتكار والقيادة العالمية.
وفي كلمة ألقاها أمام جمهور غفير من صناع السياسات والدبلوماسيين وقادة الفكر، دعا ميتسولا إلى تحول حاسم في العقلية السياسية الأوروبية، وحث مؤسسات الاتحاد الأوروبي على تبني التغيير والارتقاء إلى مستوى تحديات المشهد الجيوسياسي سريع التطور.
انتهى زمن مفترق الطرق الافتراضي. لم يبقَ سوى طريق واحد: المضي قدمًا معًا.
أعلن ميتسولا
شدد خطابها، الذي وصفه مطلعون بأنه أشبه بـ"بيان تجديدي"، على الحاجة إلى أوروبا أكثر مرونةً وتركيزًا على المواطن وتنافسيةً اقتصاديًا. وحذّرت من أن التشبث بالنماذج القديمة لن يؤدي إلا إلى تعميق نقاط ضعف الاتحاد الأوروبي في عصرٍ يتسم بتصاعد الشعبوية وعدم اليقين الاقتصادي وتحولات القوى العالمية.
دعوة إلى الواقعية والإصلاح
وشدد ميتسولا على أهمية التأمل الذاتي والإصلاح، مشيرا إلى أن أوروبا يجب أن تصبح أكثر دعما لصناعاتها، وأقل إرهاقا بالبيروقراطية، وأكثر انفتاحا على الابتكار.
وأضافت أن "أوروبا الأكثر ذكاءً هي تلك التي تدرك أن طريقتنا في تحقيق الحريات الفردية وشبكات الأمان الاجتماعي تعتمد على قدرتنا التنافسية".
دعت إلى بيئة تنظيمية تُعزز ريادة الأعمال، حيث يُمكن للشركات الناشئة النمو بسهولة، وحيث لا يُنظر إلى الفشل على أنه طريق مسدود، بل كنقطة انطلاق. ودعت تحديدًا إلى تقليص جذري للروتين، حتى أنها أشارت إلى قضايا تبدو ثانوية - مثل قوانين السلامة المرورية - والتي قد تُعقّد حياة المواطنين دون داعٍ.
كما سلط ميتسولا الضوء على كيفية تطور البرلمان الأوروبي الحالي منذ عام 2019، مشيرا إلى أنه يعمل الآن بسرعة وكفاءة أكبر دون المساس بالصرامة التشريعية أو التدقيق.
وقالت في معرض ردها على المخاوف بشأن محاولات الحد من دور البرلمان في مجالات السياسة الحساسة: "لقد قمنا بالإصلاح، ونحن نتحرك بشكل أسرع دون تقليص التزاماتنا في مجال التدقيق والتشريع".
وأكدت التزام المؤسسة بالشرعية الديمقراطية، ورفضت ما وصفته بـ "عكس أوروبا الأكثر ذكاءً" - مثل الجهود المبذولة لتجاوز المشاركة البرلمانية من خلال أحكام المعاهدة مثل المادة 122.
تعزيز التحالفات العالمية
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية والتجارة، أكد ميتسولا على أهمية بناء تحالفات أقوى خارج حدود أوروبا، وخاصة مع الشركاء التقليديين في الغرب.
وأضافت أن "أوروبا القوية هي أوروبا المنفتحة على الخارج والتي تستطيع استشعار الفرص وملاحقتها".
أعربت عن تفاؤلها بتعميق العلاقات عبر الأطلسي، لا سيما مع الولايات المتحدة، التي وصفتها بـ"أعظم تحالف في التاريخ الحديث". لكنها حثّت أيضًا على توثيق التعاون مع كندا، وعلى وجه الخصوص المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وقال ميتسولا "إن الأوقات الاستثنائية تتطلب لحظات استثنائية"، معترفًا بالتعقيدات التي يفرضها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، داعيًا في الوقت نفسه إلى شراكة استراتيجية من شأنها تعزيز الأمن الأوروبي والعالمي.
الأمن والدفاع: ما وراء الإنفاق
وبالانتقال إلى الدفاع، أقرت ميتسولا بأن زيادة الإنفاق ضرورية - ولكنها غير كافية - لضمان أمن أوروبا على المدى الطويل. ودعت إلى تكامل أفضل بين الصناعات الدفاعية الأوروبية، واتباع نهج منسق لسياسات الأمن القومي.
وأضافت أن "توحيد صناعاتنا الدفاعية هو الخطوة الذكية إلى الأمام"، مؤكدة على ضرورة مقاومة المصالح الوطنية قصيرة الأجل لصالح استراتيجية موحدة طويلة الأجل.
وأكد ميتسولا دعم الاتحاد الأوروبي الثابت لأوكرانيا، مسلطا الضوء على الزيارات الأخيرة التي قام بها زعماء أوروبيون بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
وأضافت أن "كل دولة عضو تدرك الآن أنه لكي تتمكن أوروبا من التحكم في مصيرها، يتعين عليها أن تكون قادرة على العمل في عالم أكثر خطورة وعدم استقرار من ذي قبل".
رؤية إيجابية لمستقبل أوروبا
ورغم التحديات العديدة، اختتمت ميتسولا كلمتها بملاحظة متفائلة، مؤكدة إيمانها بالقوة الدائمة وإمكانات المشروع الأوروبي.
لا تزال أوروبا أعظم مشروع سياسي في التاريخ. ولا تزال أفضل مكان في العالم للعيش وتكوين أسرة. لا نفتقر إلى القدرات والمواهب ورأس المال والكوادر والمبتكرين - لنقود ونجدد.
وقد لاقت كلماتها استحساناً واسع النطاق من الحضور، حيث فسر الكثير منهم خطابها على أنه مخطط جريء للمرحلة المقبلة من التكامل الأوروبي والمشاركة العالمية.
وبينما يستعد الاتحاد الأوروبي للمفاوضات المقبلة بشأن الإطار المالي المتعدد السنوات ويواصل التعامل مع الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية، تقدم رؤية ميتسولا دعوة واضحة للعمل: بناء أوروبا أكثر ذكاءً وقوة وأمانًا - ليس فقط لليوم، ولكن للأجيال القادمة.
في كلمة رئيسية ألقتها في فعالية "أوروبا عند مفترق الطرق" يوم الثلاثاء، أوضحت رئيسة البرلمان ميتسولا رؤيتها لأوروبا أكثر ذكاءً وقوةً وأمانًا. المصدر: © الاتحاد الأوروبي، ٢٠٢٥ - البرلمان الأوروبي